أين صفرة الوجل وحمرة الخجل يا ناطح الجبل؟ الشيخ فركوس حفظه الله
, موقع طلبات الزواج , تعارف الجزائريين , طلبات الزواج للجزائريين , أرقام هواتف , اميلات بنات ,صور الحب , , ازياء و اناقة , نتائج التعليم , وظائف , زواج و تعارف ,مسلسلات تركية , رومانسية, الثقافة الجنسية ,طلبات الزواج للعرب
موضوع: أين صفرة الوجل وحمرة الخجل يا ناطح الجبل؟ الشيخ فركوس حفظه الله الجمعة 27 سبتمبر 2013 - 14:35
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله وحده، والصلاةُ والسلام على من لا نبيَّ بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فمِن ميزات أهل الأهواء التهجُّمُ على الحقِّ هجومًا ظالمًا والاعتداءُ على أعلامه والداعين إليه اعتداءً فاضحًا، سالكين في ذلك مسلكَ من تقدَّمهم زمنًا وتاريخًا، ووافقهم عدوانًا واعتداءً تجسيدًا لقاعدة: «إذا أردتَ أن تُسْقِطَ فكرةً أسقِطْ زعماءَها»، وهؤلاء -وإن اختلفوا في الجوانب التي جهَّزوا لها قواهم وصوَّبوا فيها رماحَهم- إلاَّ أنهم يرومون قصدًا موحَّدًا، هو معارضة الإصلاح والمصلحين، على نحو ما قالوه لنوحٍ عليه السلام: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف: ٦٠]، وقالوه لهودٍ عليه السلام: ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ [الأعراف: ٧٠]، وقالوه لمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿سَاحِرٌ كَذَّابٌ. أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٤-٥]. وهذا الذي وقع لورثة الأنبياء والمصلحين المخلصين في كلِّ العصور كلَّما نبَّهوا إلى خطإٍ أو فسادٍ في العقائد والعوائد، أو عارضوا المفاسدَ والمعابد بالباطل، أو ذكروا المللَ والنِّحَل التي تفرَّعت في الإسلام الذي جاء بالتوحيد والمتابعة؛ قام في وجوههم فريقٌ من الشانئين والمناوئين، خرجوا إليهم بطرًا ورئاء الناس أنهم يدافعون عن الهويَّة والأصالة، فيلبِّسون الحقَّ بالباطل ويكتمون الحقَّ وهم يعلمون.
وقد تولَّى كِبْرَ هذا الإفك -في وقتنا الحاليِّ- بعضُ قاصري النظر من الإعلاميِّين المتشبِّعين بالفكر الصوفيِّ اعتقادًا ومسلكًا، والفكر الغربيِّ إرادةً وطموحًا. سخَّروا أقلامَهم -تحت ركب أهل الأهواء- لضرب المنهج السلفيِّ بتكهُّناتٍ وتخرُّصاتٍ تنبئ عن جهلٍ عميقٍ بالدعوة السلفية وأصولها، وحقدٍ دفينٍ تجاه مشايخها وأعلامها، عمدوا إلى كلِّ سيِّئةٍ فأناطوها بهم، وإلى كلِّ نقيصةٍ فوسموهم بها، رسموا من إلصاق التهم بأقوالٍ مجرَّدةٍ من الأدلَّة والبراهينِ منهجًا لهم، وهو مسلكٌ كاسدٌ ينطوي على نوعٍ من النفاق في العلم والكلام، وقد حذَّر العلماء الأمناء من الاستشهاد بآراءِ وأقوالِ القاصرين عن المدارك العلمية ممَّن لا يُطمأنُّ إلى اجتهادهم ونظرهم، فما بالك بمن يدَّعي المداركَ والحجج والمستندات؟ وضمن هذا المعنى مِن وجوب الأمانة وتوثيقِ الأقوال يقول ابنُ تيمية -رحمه الله-: «والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأمَّا إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمدَ في القول والعمل فنوعٌ من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل»(١).
وفي كلام هؤلاء المغرضين مجازفاتٌ خطيرةٌ ومغالطاتٌ مكشوفةٌ يمكن إبراز أهمِّ افتراءاتهم فيما يلي:
اتِّهام السلفية بالتقيَّة:
مبنى هذا الاتِّهام على إلحاق أصول الدعوة السلفية بمعتقدات المنافقين واليهود والشيعة الروافض الضالِّين وأصلهم الكاسد في جعل التقيَّة ركنًا من أركان الدين ينعدم الإيمان بانعدامها، وصيَّروها مبدأً أساسيًّا دالاًّ على علوِّ المنزلة عند الله وقوَّة التديُّن.
وقد فارق المنهجُ السلفيُّ المعتقدَ الباطل لكونه مؤسَّسًا على الصدق والإخلاص، الأمرُ الذي أغناه عن الظهور على خلاف الواقع والحقيقة، ومصدرُ تلقِّيه مأمونٌ ومنهجُ استدلاله موثوقٌ مباينٌ بذلك لمنهج مَن كان معتقده مبنيًّا على الغشِّ والتدليس، متفرِّعًا عن الكذب والخديعة. قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وأمَّا الرافضة فأصل بدعتهم عن زندقةٍ وإلحادٍ، وتعمُّدُ الكذب كثيرٌ فيهم، وهم يُقِرُّون بذلك حيث يقولون: ديننا التقيَّة، وهو أن يقول أحدُهم بلسانه خلافَ ما في قلبه، وهذا هو الكذب والنفاق، ويدَّعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم مِن أهل الملَّة، ويصفون السابقين الأوَّلين بالردَّة والنفاق»(٢).
وبغضِّ النظر عن أنَّ اتِّهام السلفية بالتقيَّة أمرٌ محدَثٌ وخَرْصٌ مكشوفٌ يصدق على المذعور الذي أطلقها عليها قولُ الله تعالى: ﴿قُتِلَ الخَرَّاصُونَ﴾ [الذاريات: ١٠] وإرادةٌ مدبَّرةٌ لتدنيس المنهج السلفيِّ بشعار الكذب والنفاق «التقيَّة» يعكس قلَّةَ البضاعة وغشاوةَ النظر، ورؤيةَ الأمور بحسب تلوُّن المفتري، فإنها -أيضًا- فريةٌ مشوِّهةٌ للحقائق مضلِّلةٌ للوقائع، فالسلفية ما فتئت تجهر علنًا بدعوة الحقِّ بكلِّ أساليب الإقناع والبيان، ظاهرُها كباطنها وليلُها كنهارها، لم يَثْنِها عن الصدع بكلمة الحقِّ -ولو في وجه «الجبهة الإسلامية» في سنوات قوَّتها وتمركُزها، وما تلاها من سنوات الرعب والدمار- فقد بقيت السلفية ثابتةً لم تتحوَّل -كما يزعم ذلك المذعور- غيرَ مكترثةٍ بما يصيبها من أذًى وضررٍ وما يلحقها من وعيدٍ وتهديدٍ.
اتِّهام السلفية بالنهج الحزبيِّ:
وتظهر هذه التهمة في نسبتهم «جوازَ الخروج على الحاكم الظالم» للسلفية تأصيلاً وتدبيرًا، ولعلمائها المبرِّزِين تربُّصًا وتخطيطًا، وادِّعائهم أنَّ للسلفية «مراجع عليا»!! بالمملكة العربية السعودية مَهَمَّتهم إصدار الأوامر، وغيرُهم ممَّن لا يقطنون إقليمهم فوظيفتهم التنفيذ والتطبيق، وهذا عينُ الظلم والبهتان، سببُه استصحابُ المنطلقات الحركية -المتعلِّقة بمبايعة الأمير السرِّيِّ منشطًا ومكرهًا- على علماء الدعوة السلفية، وقياسُ المنهج السلفيِّ على التنظيمات الحزبية، وهذا -بلا شكٍّ- قياسٌ ظاهر البطلان لا يقول به إلاَّ جاهلٌ بأصول المذاهب العقدية جهلاً بسيطًا أو مركَّبًا، أو متعنِّتٌ لا يقصد مرضاةَ الله في تعرُّف الحقيقة، فيحصل من الفساد بالرأي والإفساد ما لا يخفى على عاقلٍ مُدْرِكٍ. وضمن هذا المنظور يقول ابن القيِّم -رحمه الله-: «وكلُّ بدعةٍ ومقالةٍ فاسدةٍ فِي أديان الرسل فأصلُها من القياس الفاسد.. وما فَسَدَ ما فَسَدَ مِن أَمْرِ العالَم وخَرِبَ مَا خَرِبَ منه إلاَّ بالقياس الفاسد، وأَوَّلُ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به القياسُ الفاسدُ، وهو الذي جرَّ على آدمَ وذرِّيَّته مِن صاحِبِ هذا القياس ما جرَّ، فأصلُ شرِّ الدنيا والآخرة جميعُهُ من هذا القياس الفاسد»(٣).
اتِّهام السلفية بالهدم والتخريب:
وقد لاك هذه التهمةَ ولَفَظَها من يسعى في الهدم لحقيقة السلفية، ذلك لأنهم حين يتَّهمونها بتعطيل «البناء والتنمية» يَكِرُّون على أنفسهم ويُقرُّون بأنَّ المنهج السلفيَّ يحرِّم الخروجَ على الحكَّام الظَّلَمةِ ويمنع المظاهراتِ والاعتصاماتِ والإضراباتِ، وكلُّ العقلاء الذين سَلِمَتْ عقولُهم يُجْمِعون على أنَّ هذه هي أدواتُ التخريب ومعاولُ الهدم التي فرَّقت الأمَّةَ وشتَّتت عَزْمَها وصرفَتْها عن أولويَّاتها وحطَّمَتْها سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا بما تنتجه من آثارٍ سلبيةٍ ونتائجَ وخيمةٍ وعكسيةٍ، فأيُّ الناس أَوْلى بلقب التخريب؟ آلذي يسعى في لمِّ شمل الأمَّة والحفاظ على وحدتها بالابتعاد عن أسباب الفرقة واجتناب سبل التمزُّق؟ أم الذي يقيم فيها ما استورده من أنظمةٍ خارجيةٍ لا تمتُّ إلى الإسلام والعرف الصحيح بصلةٍ، ويجتهد لاستحكامها في مجتمعه حتى تصير من مسلَّماته؟ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [الصافَّات: ١٥٤؛ القلم: ٣٦] ؟ ساء ما تفكِّرون! ثمَّ إنه -من جهةٍ أخرى- فقد توالى على هذه البلاد سلسلةٌ من أنواع المناهج العقدية تولَّت مناصبَ عليا من حيث القرار والسيادة، فهل حقَّقت عزًّا وكرامةً لهذه الأمَّة أم زادتها ذلاًّ وهوانًا وتبعيةً وبعدًا عن الدين والأخلاق؟
والحقُّ أنَّ المناهج المنحرفة كالصوفية التي يتَّخذ هؤلاء الإعلاميون منها غطاءً هي أضخمُ آلات الهدم التي يَلزم مقاومتُها وسدُّ منافذها، يقول محمَّد البشير الإبراهيميُّ -رحمه الله-: «إنَّنا علمنا حقَّ العلم -بعد التروِّي والتثبُّت ودراسة أحوال الأمَّة ومناشئ أمراضها- أنَّ هذه الطرق المبتدعة في الإسلام هي سبب تفرُّق المسلمين، لا يستطيع عاقلٌ سَلِمَ منها ولم يُبْتَلَ بأهوائها أن يكابر في هذا أو يدفعه... ونعلم أنَّنا حين نقاومها نقاوم كلَّ شرٍّ، وأنَّنا حين نقضي عليها -إن شاء الله- نقضي على كلِّ باطلٍ ومنكرٍ وضلالٍ، ونعلم -زيادةً على ذلك- أنه لا يتمُّ في الأمَّة الجزائرية إصلاحٌ في أيِّ فرعٍ من فروع الحياة مع وجود هذه الطرقية المشؤومة، ومع ما لها من سلطانٍ على الأرواح والأبدان، ومع ما فيها من إفسادٍ للعقول وقتلٍ للمواهب»(٤)
اتِّهام السلفية بالتناقض:
حيث رَمَوُا السلفيةَ بتناقُض أصولها وألصقوا لقبَ «النفاق والمتاجرة بالدين» بعلمائها، وإنما حَمَلهم على هذا الحكم الجائر على صفوة الأمَّة وخيارها الفهمُ المتعنِّت لمواقف العلماء السلفيِّين من الحكَّام، تلك المقدِّمة الخاطئة في تصوُّرهم أنتجت لهم سوءًا في الحكم وعورةً في الكلام، كان الأَوْلى بهم أن يسترُوها بدل أن ينشرُوها.
لم يفرِّق هؤلاء المتعنِّتون -جهلاً منهم بعواقب الأمور وآثارها- بين الدعاء للحكَّام بالصلاح والسمع والطاعة في المعروف وبين مداهنتهم، ولم تميِّز عقولُهم القاصرة بين إسداء النصيحة لهم سرًّا سدًّا لباب الفتنة العظمى المتولِّدة من الإنكار العلنيِّ والتشهير بالأخطاء على المنابر، وبين إقرارهم على المعصية والمخالفة، ففهموا من المواقف السلفية المبنيَّةِ على مراعاة المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها تناقضًا ونفاقًا!! ولله درُّ من قال:
زعمًا منهم أنَّ المنهج السلفيَّ صُنِع لخدمة الأنظمة العربية الحاكمة وسخَّر علماؤه كتاباتِهم وخطاباتهم لتتماشى ومصلحةَ من يسيِّرهم ويتحكَّم فيهم أمرًا ونهيًا، ولَمَّا كانت الرحم بين المعادين للمنهج الصافي قائمةً والصلةُ ممتدَّةً وإن تباعدت أزمانُهم؛ فإنَّ من تلفَّظوا بهذا التعدِّي لا يردِّدون إلاَّ كلامَ مَن سبقهم، وفيهم وفي أمثالهم قال الشيخ العربي التبسِّي وكأنه -رحمه الله- بين أظهرنا الآنَ يسمع الافتراءَ الساقط ويردُّ عليه بقوله: «وإن تعجب فعجبٌ أمرُ هؤلاء الذين يُريدون مِن علماء الدِّين أن يُذعنوا لأباطيلهم ويطأطئوا رؤوسَهم أمام عظمة أهوائهم، وما ضمَّتها من عفوناتِ ما يلقيه الشيطانُ عليهم رغم تعاليم الدين الذي يلعن مَن يكتم مِن الدين المنزَّل على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا، وكأنَّ هؤلاء لم يعلموا أنَّنا لم نكتب ما كتَبْنا وما كتبه إخوانُنا مِن أهل الدين والبصيرة النافذة لقضاء شهوةٍ من الشهوات أو طلبِ دخلٍ من الدخول أو لنيل حظٍّ من الحظوظ، وأنَّ الله يعلم والمسلمين يعلمون أنه لولا أنَّ الله تعالى أَمَرنا بأن نبلِّغ هذا الدينَ كما أَخَذْناه لا ننقص ولا نزيد، ولولا أنَّنا نزحزح أنفسَنا عن الذين يكتمون ما أنزل الله من البيِّنات والهدى ما رضينا لأنفسنا أن نخاطب هذه الهلثاء(٥) التي لا فقه لها، ولكنَّنا سوف نثبت حيث أمرنا الله مستميتين في الدفاع عن الدين ولو قُطِّعنا إِرَبًا أو رُمي بنا في أَتونٍ(٦) وإن نحن لقينا ما لقينا فحَسْبُنا:
حيث ادَّعى من لا يُعرف عنه دراسةٌ للعلوم الشرعية ولا تخصُّصٌ في فنونها أنَّ السلفية بدعةٌ، فجاء بما لم يأت به من قبله، وألحق بعضُهم المنهجَ السلفيَّ بالمذاهب الهدَّامة الدخيلة على المجتمع الجزائريِّ التي يجب محاربتُها كالقاديانية والرافضة، وردَّد بعضُهم لبعضٍ حتى حسبوه حقًّا وصوابًا: أنَّ مُنشِئَ السلفية هو ابنُ تيمية أو محمَّد بن عبد الوهَّاب -رحم الله الجميع-، ولتفنيد هذا الافتراءِ نسوق نقلين لعضوين من إداريِّي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
الأوَّل: لمبارك الميلي -رحمه الله- يقول فيه: «وكان أهل المغرب سلفيِّين حتَّى رحل ابن تومرت إلى الشرق وعزم على إحداث انقلابٍ بالمغرب سياسيٍّ علميٍّ دينيٍّ، فأخذ بطريقة الأشعريِّ ونصرها، وسمَّى المرابطين السلفيِّين مجسِّمين، ثمَّ انقلابه على يد عبد المؤمن، فتمَّ انتصار الأشاعرة بالمغرب، واحتجبت السلفية بسقوط دولة صنهاجة، فلم ينصرْها بعدهم إلاَّ أفرادٌ قليلون من أهل العلم في أزمنةٍ مختلفةٍ»(٨).
والثاني لسعيد الزاهري -رحمه الله- في ردِّه على وزير المعارف بالمغرب الأقصى آنذاك لمَّا زعم: «أنَّ مؤسِّس هذا المذهب هو شيخ الإسلام ابن تيمية، واشتهر به ابن عبد الوهَّاب»، فقال معقِّبًا: «والواقع أنَّ مؤسِّس هذا المذهب ليس هو ابنَ تيمية ولا ابنَ عبد الوهَّاب، ولا الإمامَ أحمد ولا غيره من الأئمَّة والعلماء، وإنما مؤسِّسه هو خاتم النبيِّين سيِّدنا محمَّد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلَّم، على أنه في الحقيقة ليس مذهبًا، بل هو دعوةٌ إلى الرجوع إلى السنَّة النبوية الشريفة، وإلى التمسُّك بالقرآن الكريم، وليس هنا شيءٌ آخَرُ غيرُ هذا»(٩).
مع التنبيه إلى أنَّ انتساب السلفية إلى مشايخها مباينٌ لانتساب أهل البدع لمقدَّميهم ومنظِّريهم، إذ هؤلاء ينزِّلونهم منزلةَ المتبوع المعصوم الذي لا تعقيب على أحكامه وأقواله، الشيء الذي ينافي كمالَ الشهادة للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالاتِّباع، ويزرع الفرقة والاختلاف. قال ابن تيمية -رحمه الله-: «فأمَّا الانتساب الذي يفرِّق بين المسلمين وفيه خروجٌ عن الجماعة والائتلاف إلى الفرقة، وسلوكُ طريقِ الابتداع ومفارقةُ السنَّة والاتِّباعِ؛ فهذا ممَّا يُنهى عنه ويَأثم فاعلُه ويخرج بذلك عن طاعة الله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم»(١٠).
هذا، والجدير بالملاحظة أنَّ عودة المغرضين إلى ما انقطعوا عنه برهةً من الزمن مِن توظيف أقلامهم ومنابرهم الإعلامية لإظهار المنهج السلفيِّ وعلمائه في صورة الخطر الأكبر على البلاد والعباد يدلُّ دلالةً واضحةً على أليمِ وقعِ آثار السلفية ونتاجها العلميِّ والدعويِّ عليهم وعلى أمثالهم من الحركيِّين الذين رَضَعُوا لِبانَ الحزبية حتى نَشَزَت منها عظامُهم وفُتِقت منها أمعاؤهم، فجاءت مؤلَّفاتُ المشايخ وكتبُهم الداعيةُ إلى الحقِّ وتصفية الدين مِن شوائب الخرافات وانزلاقات الحركات المنحرفة لتفطِم رضاعَهم وتُلقمهم ما به النَّشأةُ السليمة والتربيةُ الرشيدة، ولكنَّهم لفظُوا الفطامَ ورفضُوا اللِّقاحَ وأبَوْا إلاَّ مقابلةَ الإكرام بالنكران والجميلِ بالإساءةِ والحقِّ والرحمة بالصراخ والعويل، وكما قيل: «الصراخ على قدر الألم»، فاصرُخوا واصرُخوا فلن يزيدكم صراخُكم إلاَّ تعبًا وكللاً، ومآله بحَّةٌ في الصوتِ ووعكةٌ في الكلام وضيقٌ في الصدر حسدًا وكمدًا.
وإصرارُ المغرضين على تحميل كلام الأبرياء ما لا يحتمله، وتقويلِهم ما لم يَقُولوه، واتِّهامِهم بالباطل والجَوْر، والاعتداءِ على عرضهم وعلمهم وخُلُقهم وأدبهم، لا يُفسَّر إلاَّ بكونهم محرومين من الوسائل المُوصِلة إلى الحقِّ والصواب، بارعين في التلبيس والتدليس قد نالوا منهما حظًّا وافرًا وقسطًا عامرًا، أعماهُم الحقدُ عن الإنصاف، وأغْرَتهم المناصبُ والألقابُ المزيَّفَة عن العدل، وحَمَلهم الحسد على الإجحاف، وغرَّهم حِلْمُ السلفية على الظلم.
يقول ابن القيِّم -رحمه الله- في معرض بيان خطر الكِبْر والحسد والغضب والشهوة وما تنتجه من مفاسد: «وزوالُ الجبال عن أماكنها أيسرُ من زوال هذه الأربعة عمَّن بُلِيَ بها ولا سِيَّمَا إِذا صَارَت هيئاتٍ راسخةً ومَلَكاتٍ وصِفَاتٍ ثَابِتَةً، فإنه لا يستقيم له معها عملٌ ألبَتَّةَ وَلا تزكو نفسُه مع قيامها بها، وكلَّما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعةُ، وكلُّ الآفَات متولِّدةٌ منها، وإذا استحكمت في القلب أَرَتْه الباطلَ في صورة الحقِّ والحقَّ في صورة الباطل، والمعروفَ في صورة المنكر والمُنْكَرَ في صورة المعروف، وقرَّبتْ منه الدنيا وبعَّدت منه الآخرةَ»(١١).
أيُّها الكُتَّاب الشانئون!! قبل أن تسوِّدوا مقالاً راقِبوا اللهَ تعالى فيه، واعلموا عِلْمَ اليقين أنكم مسئولُون عن كلِّ ما تخطُّه يمينُكم وتلفظه أفواهُكم، ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨]، واحذروا كلَّ الحذر أن تقولوا في شخصٍ ما ليس فيه، فإنَّ «مَنْ قَالَ في مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ حُبِسَ فِي رَدْغَةِ الخَبَالِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالمَخْرَجِ مِمَّا قَالَ»(١٢).
أين «صفرة الوجل» حين اتَّهمتم أصحابَ الصدق بازدواجية الأقوال والأفعال، وحين اتَّهمتموهم بالتخطيط للانقلاب على النظام الحاكم؟ أين «حمرة الخجل» حين تنكَّرتم لجميلِ مَن أحسن إليكم وعامَلكم باللطف وقابَل إساءتَكم بالحسنى، ولقَّنكم أصولَ السلفية تأليفًا وسماعًا رجاءَ أن تفهموا تمسُّكَها بالحقِّ ورحمتَها للخلق وتزولَ عنكم الغشاوةُ تجاهَها، فترجعوا على جُلَسائكم وخِلاَّنكم بالمفهوم الصحيح الذي طالما فقدوه؟ ثمَّ أين «حمرة الخجل» حين تسعَوْن لتشويه صفاء السلفية ونقائها؟ أغابت عن أذهانكم مساعيها في إطفاء الفتنة وجمعِ الكلمة ومحاربة الأفكار التكفيرية التخريبية؟ أليس هذا من الإعمار والبناء ومِن العلم والرحمة؟
فإن فقدتم «صفرة الوجل» فلن تفقدوا «صفرةَ السقم والمرض»، وإن غابت عنكم «حمرة الخجل» فلن تغيب عنكم «حمرة المحموم» من انتشار المنهج السلفيِّ وتمكُّنه في قلوب الناس، وازدياد المحبِّين له وإقبالهم على آثار علمائه بالرغم من انعدام الوسائل العصرية التي يمتلكها خصومُ الدعوة وتمكُّنِهم مِن منابرَ حُرِم منها أتباعُ السلفية كالفضائيات والصحف اليومية والإذاعات والمناصب الإدارية، يستغلُّونها في ضرب الحقِّ وأهله وتلطيخ سمعة أهلِ التوحيد والسنَّة، وتأليبِ أصحاب القرار عليهم وتهييج العوامِّ ضدَّهم.
فاربَعُوا على أنفسكم، ووظِّفوا جهودَكم فيما تُحسنون، وأريحوا قواكم، فإنَّ على الحقِّ نورًا يُشِعُّ وضياءً يتلألأُ، وإنَّ السعي في الحطِّ من كرامة أهل الحقِّ لا تزيدهم إلاَّ رفعةً، وإرادةَ الانتقاص من أهل النبل لا تزيدهم إلاَّ سموًّا ورفعةً.